رقية دنانة – خبر خير
ارتفعت الأصوات المعارضة والرافضة لالتقاط صورٍ لليمنيين الـ “نازحين والمتضررين من الصراع” وذلك في أثناء تنفيذ برامج إغاثية وتوزيع السلل الغذائية من قبل المنظمات والمؤسسات والجمعيات الأهليَّة.
حيث نشرت بعض المنظمات المحلية والدوليَّة العاملة في اليمن صورًا ليمنيين في أثناء تلقيهم مساعدات مالية ومواد إغاثية، الأمر الذي عدَّه بعضهم انتهاكًا لحقوق الإنسان وتعديًّا على كرامة البشر وعدُّوه إساءة لا تغتفر.
في اليمن تنتهج أغلب منظمات المجتمع المدني سياسة التصوير الإنساني للأعمال الإغاثية، وتختلف آلية التصوير من منظمة لأخرى.
حيث يعتمد المانحون على توثيق المشاريع المموَّلة من قبلهم بالصور، وهذا الأمر يعدُّ شرطًا أساسيًّا إلى جانب شروط وإجراءات أخرى يتطلبها تأكيد هذه المشاريع.
وقال عوض التميمي (مدير الاتصال بمنظمة صنَّاع النهضة) :” إن عملية التوثيق مهمة جدًّا سواء كان نشاط التصوير للتدريب أم للتأهيل أم للتوعية، فلابد من التوثيق من أجل إثبات وتوثيق تنفيذ المشروع للمانح”.
لقطة الصور
والنظرة إلى الصورة تأخذ مناحي متباينة ووجهات متغايرة، يقول التميمي: “الصورة هي رسالة المشروع خارجيًّا ومحليًّا ومحل إعجاب أو سخط المانحين والجمهور”.
ويضيف شارحًا أهمية عملية التصوير وطرقها : “أصبح التصوير أداة من أدوات التقويم للأعمال التي تقدمها المنظمات بواسطة الصور والفيديوهات، وعن طريق النشر على جميع وسائل التواصل الاجتماعي للجمهور”.
ونجد التميمي متأثرًا ورافضًا لبعض التصرفات التي تحدث؛ لذا فهو يوكِّد ” ضرورة أن تكون الصورة إيجابية وتدعم المشروع فعندما تلتقط الصورة يجب أن تراعي فيها المحافظة على كرامة المستفيدين، فمثلًا عند توزيع السلل الغذائية أو إرسال الحوالات المالية فهو يقوم بتصوير المواد أو عملية أخذ بصمات المستفيد. وليس هناك داعٍ لتصوير المستفيدين من الأمام ونشر صورهم على مواقع السوشل ميديا”.
وحذر التميمي من أخذ اللقطات المُهينة للمستفيدين خلال حملات التدشين للمشاريع، حيث تقوم بعض المنظمات بترتيب المواد وتصوير المستفيد وهو ينظر إلى الكاميرا وبيده السلة الغذائية وهذا ما يؤدي إلى امتعاض المُستفيد.
وطالب التميمي المصورين بضرورة المحافظة على إنسانية المستفيد واتباع أليَّة تصوير فريق العمل مع المواد الغذائية وليس المستفيدين، فالعمل الإنساني وُجِد للحفاظ على كرامة الناس، وليس إهانتهم.
قانون الصورة
تُلزم مواثيق العمل الإنساني في مختلف البلدان العاملين في المجال الإنساني بأخذ موافقة كتابية أو خطية من الشخص الذي ستُجرى معه المقابلة أو ستؤخذ له الصورة، فالعديد من الوسائل الإعلامية العالمية ترفض استخدام أي صورة إن لم تكن مرفقة بسند الموافقة.
ولإيضاح السبب في ضرورة أخذ الموافقة على التصوير يقول التميمي: “لابد من أخذ إذن المستفيد، عندما نقوم بالتصوير، فهناك بعض المجتمعات التي تتحفظ وترى أن التصوير عيب وحرام، ومن ثمَّ ينبغي احترام توجهات الناس ورغباتهم لأن التقاط الصور للمستفيدين من دون إذنهم، قد يتسبب للمؤسسة بمشكلات قد ينتج عنها تعطل المشروع”.
الصورة أعمق من اللغة
لم يعد التقاط الصور يأخذ شكلًا نمطيًّا محدَّدًا فقد تغدو صورة ألتقطها مصور مجهول أيقونة تبيِّن للعالم الأمل الذي يرزح تحت وطأة الصراع، حيث تسلط الصورة الضوء على الظواهر الإنسانيَّة على تعددها واختلافها وتغدو مرآة تعكس حقيقة الواقع الذي يعيشه المجتمع، أو الحالة التي تعبّر عنها الصورة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاعل وتضامن داخلي وخارجي نتيجة للأثر الذي أحدثته الصورة.
يقول التميمي: “إن الصورة تعكس منظورًا إيجابيًا عندما تكون هناك لحظات معبرة أو مشاريع مستدامة مثل عملية تأهيل مدرسة حيث يجري تصوير الطالب وهو يقف في الصف، أو امرأة أو رجل يقف عند بئر ماء، فهذه الصور تعبِّر عن المشاريع المُستدامة ولا يوجد فيها ما يخدش كرامة المستفيدين”.
من جهته قال المصور ياسر عبدالباقي (رئيس مؤسسة جدارية للإعلام): “قبل أكثر من خمس سنوات كانت المنظمات الدولية تعتمد على التقاط الصور المباشرة للمستهدفين، ليس بقصد التشهير بل لتوثيق وإيصال رسالة إنسانية للمانحين؛ من أجل طلب مزيد من الدعم، وكانت أغلب هذه الصور لا تنشر في وسائل التواصل الاجتماعية”.
ويضيف عبد الباقي: “لكن في السنوات القليلة الماضية اعتمدت المؤسسات المحلية على مصورين قليلي الخبرة قاموا بالتقاط ونشر صور للمستفيدين لا تنم عن فهم ودراية عميقين بالبعد الإنساني والمهني للصورة، وانتشرت هذه الصور في مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية، والإلكترونية الخاصة بالمنظمات والمؤسسات والجمعيات”.
توثيقٌ لا دعاية
ويوكِّد طارق مصطفى (المصور الإعلامي) أهمية توثيق الصور، فيقول: “في البدء يجب معرفة أن جانب التوثيق الإعلامي لعمل المنظمات شيء لابد منه؛ وذلك لأن جميع المنظمات العاملة في القطاع الإنساني مطالبة من قبل الداعمين المحلين والدوليين بصور توثيقية لإنجاز الأعمال وكذلك قصص النجاح”.
ويُضيف مشدِّدًا على احترام شعور المستفيد وأحاسيسه: “لكن في المقابل لابدَّ من اتباع آليَّة محددة نحقق فيها الجانب التوثيقي المطلوب، وفي الوقت نفسه نضمن عدم المساس بكرامة الإنسان، وفي أثناء عملي في مجال توثيق الأعمال الإنسانية في المنظمات ارتكز تصويري على عدم إظهار وجه المستفيد عند عملية التوزيع والاعتماد على الصور الخلفية لظهر المستفيد مع الشخص العامل في المنظمة وبينهم الشيء المقدم من جهة الدَّاعم”.
وعن تصوير الأطفال يقدم طارق جملة من المحظورات التي ينبغي الانتباه لها عند تصوير الأطفال، مثل تجنب تصوير الأطفال من دون ملابس وعدم تصويرهم إلَّا بعد أخذ الموافقة الكتابية من ولي الأمر. أما في قصص النجاح التي تعتمد على الصور فإن الصورة لا تلتقط إلَّا بعد موافقة المُستفيد، بحيث يظهر أحسن صورة، ويشترط في هذه الصور ارتداء الملابس بطريقة محتشمة حتى لا يظهر أيُّ جزء من جسده”.
ويرى طارق أن للصورة مكانتها التي تؤديها ولكن بشروط ينبغي الالتزام بها، فيقول: “يكون للصورة تأثير إيجابي في المستفيد والمجتمع عند الالتزام بمعايير الصورة التي تحفظ كرامة الإنسان ولا تمسُّ شخصه ولا تشهِّر به، وهذا الشيء يعزِّز من سمعة المنظمة أو المركز لدى المجتمع ويسهل عمل بقية المنظمات”.
وعن الصور السلبيَّة التي تلتقط للمُستفيدين بأسلوب مهين، يقول طارق: “للأسف تؤثر مثل هذه الصور في تنفيذ المشاريع بسبب حالة الرفض من قبل المستفيدين لتلك الصور؛ وهذه المواقف التي تأبى تلك الصور عززتها الفكرة التي تكونت لديهم عن الصور المهينة التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي”. واختتم طارق حديثه قائلًا: “أحب أن أوضح أن الصورة هي رسالة عابرة للزمان والمكان، ونحن في زمن السرعة والانترنت وقد تجد أيَّ صورة جرى نشرها ولو بعد خمسين عامًا فعلى كل مصور أن يحرص على ما يلتقطه وأن يقدم الصورة التي تحترم أخلاقيات العمل الإنساني وشروطه، وعلى المصور أن يضع نفسه مكان الشخص المستفيد لكي يشعر بما يشعر به”.
LEAVE A COMMENT