خبر خير – د. نهى ناصر
مع بزوغ الفجر تصحو النساء في الريف اليمني استعدادًا للذهاب إلى الوديان والشعاب للبدء بعملية الحصاد، وجني محصول الغرِب والدُخن والذرة البيضاء الرفيعة، وهن يرددن:
اليوم يا الله اليوم دايم قا صربوا الدخًن والذًرة قائم
يا رب بارك وسط الجرايب وجالي الهم بين الحبايب
الصبح ضوى والليل آنب والذئب والعنز قاهم قرايب
وتستغرق زراعة محاصيل الحبوب من 110 إلى 120 يومًا في اليمن، حيث تُزرع هذه المحاصيل في فصل الصيف، وهي فترة يرافقها القلق والخوف من تأخر هطول الأمطار التي قد ينتج تأخرها انتكاسة موسم زراعة الحبوب.
وفي اليمن ينتظر الأهالي نهاية موسم الصيف لبدء عملية حصاد أنواع مختلفة من الحبوب. وتعد الزراعة أحد الركائز المهمة لدعم الاقتصاد اليمني، حيث يعيش معظم سكان الريف على الزراعة التي توفر احتياج الأُسر من الغذاء لفترات تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر.
وتعد المرأة اليمنية في الريف هي المحور الرئيس للزراعة، وهي رائدة التنمية، كونها تتولى العمل والإشراف على الزراعة من المرحلة الأولى وهي زراعة الحبوب إلى المرحلة النهائية التي تتكلل بالحصاد وجمع الحبوب وتخزينها.
“اليوم يا الله اليوم دايم” بهذه الكلمات التي تسمى (مهاجل) تصدح أصوات النسوة في الوادي مع شروق الشمس، ويتسارع إيقاع المهاجل بصوت النسوة الأكبر سنًّا، وتردد الباقيات بعدهن، المهاجل المختلفة إلى أن يصلن إلى مهجل “هير بو جاء الليل” (اقترب المساء)، وهذا المهجل يأتي كتحذير للنسوة ليسرعن بعملية الحصاد، والإعلان عن جمع المحصول قبل مجيء الليل، وتُستكمَل العملية التي بدأنها صبيحة اليوم التالي إلى أن ينهين حصاد كامل المحصول.
ترفع حمامة صوتها قائدةً لفريق الحصاد من النساء والأطفال الذين يرافقون أمهاتهن بمهجل:
” اليوم يا الله اليوم دايم قا صربوا الدخن والذرة قائم”
وبهذا المهجل تستدعي المزارعة حمامة النسوة للبدء بحصاد محصول الدخن والغِرب (نوع من أنواع الحبوب يزرع في اليمن) فيما تأتي الإشارة إلى أن باقي أنواع الحبوب تُحصَد في وقت لاحق كالذرة البيضاء والذرة الصفراء.
تقول حمامة لخبر خير: “نحن سعداء لأننا وصلنا إلى نهاية هذا الموسم في هذا العام مع استمرار هطول الأمطار التي ضاعفت من عمليات إنتاج المحاصيل المختلفة التي ستغطي احتياجنا لأربعة أشهر من الطعام”.
تضيف حمامة: المحصول هذا العام كان ممتازًا مقارنة بمحصول العام الماضي والذي قبله. حمامة ورفيقاتها يعملن في الزراعة منذ خمسين عامًا، وترافقهن فتيات من القرية من أعمار مختلفة، حيث ستتولَّى الفتيات مهام الزراعة لاحقًا، وستكون إحداهن قائدة للنساء ويصدح صوتها في الوادي بالمهاجل.
العمل في الزراعة ـــ وإن كان شاقًاــــ لا تراه المرأة الريفية عبئًا كونه الركن الأول لتكوين الأُسرة وله دور رئيس في التغلب على أعباء الحياة، لا سيما أن البلد تشهد كسادًا في مجالات أخرى.
وإلى جانب المرأة الريفية المزارعة يعمل الرجال في المهن الشاقة كحرث الأرض، وبناء المصدات المائية؛ لحماية الأراضي من تأثير السيول، كما يتنقل الرجال في مناطق مختلفة للعمل وتوفير لقمة العيش وحاجات الأُسر.
في المقابل تستمر المرأة في الريف بمتابعة ورعاية الزرع، حيث تقوم بأداء كل الأعمال من رعاية وجليب (حرث التربة بعد نمو الزرع)، وفقح الزرع ( اقتلاع الزرع الضعيف وإبقاء الزرع القوي) إلى أن يصل الزرع إلى مرحلة إنتاج الحبوب، لتتولى المرأة الريفية مرحلة الحصاد التي تقوم بها النسوة في شهر أكتوبر ونوفمبر من نهاية كل عام، وتتقدم عمليات الحصاد أو تتأخر حسب المناطق الزراعية بفارق قليل جدًا.
آمنة عبد الرب (ربة بيت) تتولى زراعة مختلف أنواع الحبوب والبقوليات مثل السمسم والفاصوليا، تقول لخبر خير: “النسوة في الأرياف يؤلفن فرق عمل للطوارئ في أثناء الحصاد وذلك بحسب علاقات الأسر وصلة القرابة بينهم، وتقارب القرى، ففي كل قرية تكوِّن الأُسر فريقًا أو فريقين يقومان بعمليات الحصاد، حيث يتوزع العمل بين النسوة، وتجري جدولة العمل حتى يستكمل الفريق حصاد المحاصيل الخاصة بهذه القرى، أمَّا النساء اللائي لا يملكن أراضي زراعية فيقمن بمساعدة النساء الأخريات اللواتي يمتلكن الأرض، ويعم خير هذه الأرض على الجميع.
حيث تقوم الأسر التي حصدت محصولها من الحبوب بمنح جزء منه للأسر التي ساعدتها في عملية الزرع والحصاد.
إن توزيع الحبوب للأُسر الفقيرة أو التي لا تملك أراضي زراعية من البرامج التكافلية للأسر في المجتمع اليمني، وهي عادة مستمرة منذ القدم، وهذا النوع من التكافل لا يتوقف عند المحاصيل الزراعية، بل تقوم الأسر كذلك بتوزيع منتجات الألبان وتتبادلها فيما بينها على مدار العام.
تواصل النسوة تبادلهن لأطراف الحديث، يسترجعن ذكرياتهن في الريف منذ أن كنَّ صبيات في منازل آبائهن حتى صرن اليوم جدات، ومازالت الأرض تستأثر بمجمل أحاديثهن يخبرنني عن عقود خيرٍ مرَّ بها اليمن، عندما كانت الأمطار الموسمية تأتي في أوانها، والأرض تخبئ لهم كل الخير، وهو ما تكرر هذا العام وتمنين أن يستمر في الأعوام اللاحقة”.
في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة الريفية، وعدَّت المرأة الريفية في عام 2021م مفتاحًا لعالم خالٍ من الجوع والفقر.
وعن امتنانها وتأكيدها للدور المهم الذي تؤديه المرأة الريفية جعلت الأمم المتحدة شعار “النساء الريفيات يزرعن غذاءً جيدًا للجميع”، استحقاقًا واعترافًا بأهمية ما تقوم به النساء في الريف ومكافحتهن ” للجوع والقيام بدور رئيس في تحقيق الهدف الثاني من التنمية المستدامة؛ فضلًا عن أن كثيرًا منهن جزء أساس من الاقتصاد غير الرسمي، وفي الوقت نفسه يدبرن المنازل ويقدمن الرعاية بالفرص نفسها التي يتمتع بها الرجال في المناطق الريفية”.
ووفقًا للأمم المتحدة فإن المرأة الريفية تسهم بإنتاج ما يوازي “80% من إنتاج الأغذية في قارتي آسيا وأفريقيا، بما يدعم سبل عيش أكثر من 2.5 مليار شخص”.
حيث يُقدر عدد النساء العاملات في القطاع الزراعي بثلث نساء العالم، وهذا يعني أن المرأة الريفية تعدُّ شريكًا فاعلًا ومؤثرًا في الاقتصاد الداخلي، ومن ثمَّ يجب الاهتمام بالدور الذي تقدمه في هذا القطاع الحيوي، لا سيما أن هذا القطاع يحدُّ من الجوع في البلدان التي تشهد صراعات مستمرة.
LEAVE A COMMENT