صحفيات في مواجهة الصورة النمطية للمرأة في اليمن

خبر خير–  د. نُهى ناصر

    ما زال الحديث عن الوظيفة في العالم العربي يتَّسق بثبات مع النوع الاجتماعي، فهناك الكثير من الوظائف مرتبطة بالبُنى المؤسسة لأيديولوجية المجتمع وآرائه الثقافيَّة المُسيطرة، مما يعني القفز من الحديث عن الإمكانات والخبرات التي يتمتع بها الفرد المؤهل إلى الحديث عن تصنيفه كونه ذكرًا أو أُنثى.

    إلَّا أن استمرارية هذا الأمر من عدمه منوط بدرجة أساسيَّة بمدى قدرة المرأة نفسها على تجاوز الصورة النمطيِّة التي فُرضت عليها فيما يخص تأطيرها بمنظور وظيفي محدد.

  تستدعي دلالة الصُحفي في النسق المضمر معاني ذكوريَّة في مجملها، فمازالت العادات والتقاليد في المجتمع العربي تؤمن بمحدودية قدرات المرأة أمام الرجل. وترى أن مهنة الصحافة ـــــ وهي مهنة المتاعب ــــ لا تتناسب مع المرأة عمومًا.

صحفيات في مواجهة المتاعب

   الحديث عن العمل الصحفي في اليمن في الفترة الراهنة يعني الحديث عن جملة من الصعوبات تتعلق بدرجة أساسيَّة بمدى توفر الأدوات التي تُمكِّن الصحفي من أداء عمله بمهنية وبوتيرة منضبطة.

 وتواجه الصحفيات في اليمن صعوبات تتَّصل بمدى توسع دائرة المصادر القادرة على الحديث بشجاعة عن مجمل الموضوعات الحيويَّة التي تتصل بقضايا المجتمع اليمني، بالإضافة إلى بطءِ شبكات الاتصال أو انقطاعها، وضعف الإنترنت، وقلة المردود المادي الذي يتقاضاه الصحفي جرَّاء عمله أو انعدامه، وهذه الصعوبات من الممكن تجاوزها أو على الأقل إيجاد الحلول البديلة عنها.

     وترى الصحفية اليمنيَّة أفاق الحاج “أن الإشكالية الرئيسة التي تواجه الصحفيات في اليمن تتصل مُباشرة بالصراع الذي تدور رحاه منذ أعوام، وهو ما يؤدي إلى تدهور مؤشرات العمل الصحفي، الأمر الذي يؤثر تأثيرًا كبيرًا على أداء العمل الصحفي للصحفية اليمنية”.

     وتتفق مع الحاج الأكاديمية والصحفية سحر مهيوبي التي تقول “إن الصحفية اليمنيَّة قد تتطرق إلى قضية أو ظاهرة اجتماعية وتعكف على دراستها وربطها بالمصادر الرئيسة وتقديم المؤشرات والأرقام وترفقها بالإحصائيات والدراسات، وتقوم الصحفية بهذا العمل بجهد ذاتي، فهي تريد أن تبرز هذه الظاهرة للعامة أو للجهات ذات الاختصاص حتَّى تُعالج المشكلة، وفي الأخير تجد أن جهدها هذا كأنه لم يكن”.

    وتضيف مهيوبي “أن كلَّ تلك الجهود لا تجدُّ تفاعلًا أو حتَّى اهتمامًا يُذكر من الجهات التي وصلتها المادة الصحفيَّة، الأمر الذي يصيب الصحفي بالإحباط وقد يُفكر أحيانًا بأن لا جدوى من عمله مطلقًا”.

    وقالت أفاق الحاج “إن عددًا من الصحفيات طالهن التهديد والاقصاء وحملات التشهير، كما تعرضن للمضايقات”.

    لا تقف الصعوبات التي تواجه الصحفيات عند ما ذُكِر سلفًا، فالصحفية التي تسعى إلى التطرق إلى الموضوعات التي تتصل بخصوصيَّة المجتمع أو الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان في المناطق التي تستعر فيها الصراعات تتعرض للتهديدات، وقد تصل تلك التهديدات إلى ما يمكن تسميته بالمعاكسات ولو في حدودها الدُنيا ولكنها تبقى موجودة كون المفاهيم التي تتصل بعمل المرأة في بعض مناطق اليمن مازالت تتَّصف بالبعد الذكوري الذي لا يفرق بين شخص جاهل وآخر متعلم.

أنتِ كافرة

   الحديث عن كون المرأة صحفية يحتاج إلى أن نسلِّط الضوء على عوائق هذا العمل قبل الحديث عن رغبة الفتاة في أن تتخصص في مجال الصحافة والإعلام، فعوائق قبول عمل الفتاة في مجال الصحافة والإعلام تبدأ منذ اللحظة الأولى التي تصرِّح فيها خريجة الثانوية العامة برغبتها في الالتحاق بكُليَّة الإعلام.

 ” أنتِ كافرة” هكذا قالت الصحفية (س، أ) ـــ التي طلبت عدم ذكر اسمهاـــ حين بدأت تروي لنا قصتها قائلة: “مازالتُ أتذكر إلى يومنا هذا ما قاله لي أخي المتشدد عندما أبديتُ رغبتي في الالتحاق بقسم الإعلام، فقد رفض بشدَّة ذلك لأن هذه مهنة الرجال ولا تتشبه بالرجال إلَّا المرأة الكافرة”. وتضيف (س، أ) لـ ـ”خبر خير” :”مع إصراري استطعت أن أحقِّق حلمي ودخلت قسم الإعلام ولكن فرضت عليَّ أُسرتي شروطًا مجحفة فلم يكن من حقِّي المشاركة في الفعاليات الإعلامية في كليتي إلَّا في إطار كتابة النصوص والمقالات الأدبية التي كانت تقام في أسبوع الطالب الجامعي”.

    وتوكِّد “كنت أشارك ضمن المجموعات المشاركة فقط، فلم يكن يُسمح لي بحضور المؤتمرات أو حلقات نقاش أو ندوات، كلُّ ذلك كان ممنوعًا عليَّ”.

 وقالت :”(من البيت إلى الكلية، ومن الكلية إلى البيت) هذا كان شرط الأهل الأساس للالتحاق بقسم الإعلام، مما جعلني فيما بعد صُحفية تقف متوارية في الظل، وأنعكس سلبًا على تقييد إمكاناتي وتقلص شبكة مصادري إلى حدودها الدُنيا”.

     وعلى عكس(س، أ) تحدثت الصحفية (م، ح)، لــ “خبر خير” قائلة :”مع تشجيع أهلي لدخولي هذا المجال إلاَّ أن التساؤلات طُرحت عليَّ من بعض أفراد أسرتي وتمثلت هذه الاسئلة بدرجة أساسيَّة بـــ : كيف سأعمل مع الرجال؟ وكيف سأضبط إيقاع عملي غير المحدد بوقت محدد؟ “. 

      إن العادات والتقاليد لا الدين هي من تقف عائقًا أمام تقدُّم المرأة في مختلف المجالات التي من الممكن أن تظهر فيها منافسة للرجل. الموضوع هنا يتجاوز عتبة النقاش والحوار لتصبح السلطة الأبويَّة هي التي تصنف المرأة في إطار وظيفي محدد، لا يُقبل أن تتجاوزه.

  بيئة عمل طاردة:

    هناك سلبيات متصلة اتصالًا مباشرًا بطبيعة العمل الصحفي في المؤسسات الإعلامية في اليمن وهي في مجملها تمثل عائقًا أمام تقدُّم الصحفية اليمنيَّة.

    وترى الأكاديمية والصحفية سحر مهيوبي أن المؤسسات الإعلامية تُقيِّد حرية الصحفية وتنقلها بدعوى أنها قد تتعرض للخطر فيما إذا كانت تغطيتها في أماكن ترى المؤسسة أنها خطرة، مما يستدعي أن تقف حدود التغطية في العمل الصحفي بالنسبة إلى الصحفية اليمنيَّة العاملة في المؤسسات الإعلاميَّة ضمن حدود المربعات الآمنة.

   كما أن تقدير الصحفيات في بيئة العمل محدود، فعند البحث عن تقلُّد الصحفيَّة في المراكز القيادية في الصحف والمواقع اليمنيَّة نُلاحظ نُدرة في الصحفيات اليمنيَّات اللواتي يشغلن مراكز قيادية في الصحف اليمنيَّة، كأن تكون الصُحفية رئيسة تحرير أو نائبة رئيس تحرير.

القات مجالس الصحفيين

 إن تسلُّم الصحفية لمناصب قيادية قد لا يكون مرتبطًا دائمًا بتوجه المجتمع الذي مازال يصنف المرأة وظيفيًّا فقط، ولكنه أيضًا يرتبط ببيئة العمل نفسها التي لا تتَّصف بالمهنية من حيث استمرار مكان العمل بعد انتهاء الدوام، إذ يقضي الصحفيون أغلب وقتهم في مجالس القات، حيث يجلس الصحفيون للتباحث في أمور الصحيفة.

    أنماط العمل والإصدار الصحفي في اليمن اللذان رُبِطا بطقوس القات ومجالس القات هما ما يُقصيان كثيرًا من الصحفيات عن تقلد المناصب القياديَّة في المؤسسات الإعلامية، وهو ما حدث فعلًا مع إحدى الصحفيات اليمنيات التي تروي عنها مهيوبي أنها قد رُشِّحت لمنصب قيادي في الصحفية وقبل صدور قرار التعيين اعترض الصحفيون على القرار تحت ذريعة أنه كيف لفتاة أن تجلس معهم ليلًا للتباحث حول تجهيز الصحيفة أو الإشراف على الإخراج النهائي لها.

    يمكن أن نشير هُنا إلى أن مثل هذه الذرائع المطروحة غير مقبولة على الأقل فيما يخص تحويل مكان العمل أو المؤسسة الإعلامية إلى مجالس القات، ومن ثمَّ حصر بيئة العمل على الرجال فقط، واتخاذ هذا الأمر مسوغًا مقبولًا لهم لعدم إشراك الصحفيات في المراكز القياديَّة في الصحيفة، فهذا الأمر سينسحب بدوره على بقية الأعمال التي يحتكرها الرجال في المجتمع اليمني.

حلول لدعم الصحفيات

    المشكلات التي تتعرض لها الصحفية في اليمن في مجملها متشعبة وتأخذ أكثر من اتجاه، ولكن يمكن للصحفية أن تتجاوزها متى ما حصلت على الدعم الأُسري بدرجة أساسيَّة.

   وتقول سحر مهيوبي: “إن الأُسرة هي الأساس في نجاح الصحفية ودفعها وتشجيعها لمواجهة ما سيعترضها، ومن جهة أخرى فإنه يمكن للصحفية أن تتجاوز عائق التواصل والسفر بإن تتمكن من بناء قاعدة خاصَّة بها”.

   من جهتها تتحدث آفاق الحاج عن حلول تبدأ من مؤازرة الأسرة ومن ثم المجتمع للصحفية اليمنية، وإذا حظيت بهذا الدعم فهذا سيسهل عليها الكثير من الأمور وسيكون دافعًا لها لخوض العمل الصحفي بكل ثقة وقوة، وبعدها يأتي دعم المؤسسة الذي يعزز من أدائها ويجعلها تُقدِّم أفضل ما لديها.

   ويأتي دعم المجتمع كدافعٍ رئيس في تغيير الأفكار الجاهزة والمقولبة التي تحيد من حق الصحفية في تحقيق وجودها وكيانها بمعزل عن كونها امرأة. 

مراكز ومنظمات لدعم الصحفيات في اليمن

    هناك مؤسسات ومراكز ومنظمات تتبنى دعم الصحفيات في اليمن عبر مشاريع وبرامج ودورات تدريبيَّة تأتي مخرجاتها عبر منصات صحفية تُعنى بقضايا متنوعة منها ما هو متخصص بقضايا المرأة، حيث تُوجَّه الصحفيات لإنتاج مواد صحفية بعائد مادي كنوع من أنواع الدعم والتشجيع للصحفيات في اليمن.

    وتفرد مركز يمن إنفورميشن بدعم الصحفية اليمنية عن طريق التوظيف الدائم لعشرات الصحفيات وعمل على تدريبهن وتطوير مهارتهن في العمل الصحفي المتنوع من إنتاج التقارير الصحفية والبودكاست وبرامج مصورة وإنتاج صحفي ورقي بكادر خالص من الصحفيات اليمنيات في العديد من المحافظات اليمنيَّة.

   يتبنَّى المركز في برامجه ومشاريعه المتعددة التوجه في دعم المرأة اليمنيَّة والصحفيات في اليمن. الأمر الذي انعكس مردوده الإيجابي على عشرات الصحفيات اليمنيات من ناحية التطوير العلمي والمخرجات الإعلامية والصحفيَّة المكتوبة والمسموعة والمصورة، بالإضافة إلى إعداد وتنفيذ المشاريع المختلفة.

  • Share on:
Khabar Khair Administration

Khabar Khair Administration

منتخب الشباب لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا 2025 في الصين

  سبتمبر 30, 2024

المصدر: وكالة أنباء سبأ نجح منتخبنا الوطني لكرة القدم للشباب بالتأهل إلى نهائيات كأس آسيا المقرر إقامتها في الصين عام 2025، وذلك بعد أن حقق تعادلاً إيجابياً بنتيجة 1-1 مع […]

مشروع مبتكر من قطر الخيرية يعزز الاستقرار التعليمي في اليمن

  سبتمبر 25, 2024

المصدر: قطر الخيرية نفذت قطر الخيرية بنجاح مشروعاً هاماً لدعم التعليم في محافظتي حجة وإب اليمنيتين. تضمن المشروع ترميم العديد من المدارس المتوقفة عن العمل، وتقديم حوافز لمئات المعلمين، وتوزيع […]

لاعب الشطرنج اليمني خالد العماري يتوج بطلاً لبطولة بورسعيد الدولية بمصر

  سبتمبر 25, 2024

المصدر: وكالة أنباء سبأ حقق لاعب المنتخب الوطني للشطرنج، خالد وليد العماري، المركز الأول في بطولة بورسعيد الدولية للشطرنج التي نظمها الاتحاد المصري للشطرنج خلال الفترة 16 – 23 سبتمبر […]

LEAVE A COMMENT

Follow us on Social Media

صور الاسبوع